جاءوا للتحرير دون ان يعلموا معني المظاهرات والسياسة .. أنهكتهم الحياة ونظام فاسد مص دمائهم وسجن ابنائهم .. متظاهرون من نوع خاص ليس لهم علاقة بالسياسة من قريب أو بعيد لكنهم نزلوا الي ميدان التحرير ، في محاولة بحث عن حل لمشاكلهم المتراكمة من العهد البائد، وفي محاولة لرفع الظلم الواقع عليهم من النظام السابق..
سيدة بسيطة عرفت من تليفزيون مبارك أن الثورة "مؤامرة خارجية"لم تفهم ماذا تعني كلمة ..." المؤمرة الخارجية"، لكنها جاءت إلي ميدان التحرير في "جمعة إحياء" الثورة ، لعلها تجد من يساعدها في توصيل صوتها للمسئولين.. سعاد علي حسن من منطقة بطن البقر بمصر القديمة، وهي لمن لا يعرفها من أسوأ المناطق العشوائية والفقيرة في القاهرة.. جاءت إلي التحرير للبحث عن مخرج لابنها أحمد أنور الذي حكم عليه بالسجن 20 عاما، بسبب مشاجرة لم يشترك فيها، ولكن شاء حظه العاثر أن يتواجد أثناء حضور الشرطة العسكرية والقبض علي المتهمين، وهو الآن محبوس في سجن طرة، تاركا خلفه بنتين في عمر الزهور وزوجته وأسرة لا تجد من ينفق عليه.. بعد انتهاء يومها في التحرير ذهبت إلي منزها في انتظار رنين الهاتف لعلها تجد من يبشرها بإعادة محاكمة ابنها كما وعدها أعضاء منظمات حقوق الانسان التي تبنت قضية ابنها.
وجه آخر يعلو جسد نحيف في السبعين طبع عليه الفقر بصماته، إذ يعول أسرة يسعي جميع أفرادها للبحث عن مخرج لابنها، الذي ألقي القبض عليه في عام 2005 وحكم علية بالسجن 25 عاما.. جمال أحمد عبد العال كان مترجما قبل سجنه في عهد الرئيس السابق بتهمة تهديد الأمن القومي لاسرائيل ليترك خلفه 4 أبناء وزوجة، حاولت عائلته استئناف الحكم لكنها فشلت، بينما تنفق الأسرة من معاش التضامن الذي لايتجاوز 160 جنيها، الأب أحمد عبد العال يؤكد انه تقدم بتظلم إلي الدكتور عصام شرف وذهب للسؤال عنه أكثرمن مرة، لكنه لم يتلق أي أجابة حتي الآن، وكل مرة يذهب إلي مجلس الوزراء يطلب منه الانتظار، وفي يده صورة صغيرة لابنه المغيب يجوب بها ميدان التحرير كلما تيسرت جمعة للثائرين.
محمد أحمد جاء من مركز أبو كبير بالشرقية، يرتدي جلبابا غيرت الأتربة من لونه، يؤكد أنه جاء إلي التحرير لمصلحة البلد والفقراء من أمثاله.. وفجأة تدمع عيناه وهو يردد: أولاد الحرام سرقوا محفظتي وبها كل فلوسي وأنا قادم في الطريق ويصمت برهة ويقول: إن كله فداء هذا اليوم التاريخي، ويؤكد أنه جاء إلي هنا ليطالب (وزير التضامن علي المصيلحي) بالمعاش الذي وعد به، لأنه لم يأت إلي الدائرة منذ الانتخابات الأخيرة، وهو يري أن مايحدث في التحرير شيء جميل لكن لابد أن يأخذ معاشه الذي وعده به الوزير، وعندما أكدت له أنه لم يعد هناك وزير رد " برضو يجيب المعاش لاعمل ضده ثورة".
علاء فتحي من بني سويف ظهر في التحرير بمطلب واحد عزل محافظ بني سويف سيد روبي لأنه لم يتخد أي خطوات تجاه صاحب المصنع الذي فصله هو ومجموعة من زملائه بسبب مطالبتهم بزيادة الأجور وعندما لجأوا الي المحافظ لم ينصفهم، ويؤكد أن أهالي المحافظة يريدون عودة أحمد زكي بدر.. هو يطالب رئيس الوزاء بالاهتمام بمحافظة بني سويف لأن الرئيس السابق مبارك أهملها، ويصمت قليلا ثم يتحدث بصوت مرتفع المياه التي نشربها ملوثة ، ولايوجد صرف صحي ونفسي أعيش وألبس زي الناس هو أنا مشي مصري.
آخرون تواجدوا في الميدان لدعم الثوار.. عبد الفتاح عبد الرحمن صاحب سماعات الميدان لم يحصل علي أجر مقابل إحضارها كل جمعة، مؤكدا أنه لا ينتمي لأي فصيل سياسي، لكن يدعم الثورة فقط ويريد عودة الأموال المنهوبة، قائلا: النظام السابق ظلمنا كثيرا، وكنت أواصل الليل بالنهار حتي أستطيع الإنفاق علي أولادي الثلاثة، وأفاجأ بأن البلد فيها فلوس مسروقة، حسبي الله ونعم الوكيل.
"نفسي حسني وأولاده يجردوهم من فلوسهم ويعطوهم شقة جنبنا في الدويقة ومرتب 300 جنيه لنري كيف يعيشون بها" بهذه الكلمات بدأت فوزية عبد الحميد مؤكدة أنهم ضحايا الرئيس السابق الذي تركهم يسكنون تحت صخرة الدويقة، بينما وزع الشقق في المدن الجديد علي الباشوات.. وتطالب فوزية رئيس الوزراء بتوزيع الشقق بالعدل بين المواطنيين، وأن يبدأ بالغلابة منهم الذين يسكنون عشش الدويقة.
أحمد منعم أحد أطفال الشوارع في العقد الأول من العمر يبدو من عالم آخر غير الذي نشاهده في التحرير.. يرتدي ملابس ممزقة، ولاسبب واضح لوجوده هنا سوي الصدفة والفضول.. لكنه كالجميع وجد نفسه يطالب بأن يكون المصريون جميعا يدا واحدة.
رضا زكي البالغ من العمر 57 سنة لديه 7 أبناء جاء إلي التحرير يطالب بإعانة مالية تساعده علي تربية أبنائه الذين يكسونهم بالتقسيط ويطعمونهم بالعافية كما يقول فعمره أوشك علي الانتهاء ولكنه يخاف علي أبنائه الذين لا يجدون عملا ولا مسكنا للزواج ويتمني أن تسير الأمور الي الافضل وهذا هو التغيير من وجهه نظره مؤكدا أنه إن لم يحدث هذا التغيير تصبح الثورة فاشلة.
أحمد خليل من المطرية، جئت إلي هنا لأني تعبان وظروفي صعبة جدا، وكل الذي أريده مكان أنام فيه وفرصة عمل مناسبة، وعمري الآن 33 عاما، ولا أجد عملا ولا مكانا أعيش فيه، بعد أن طردني أهلي بسبب مشاكل عائلية، ولا أعرف ماذا أفعل وأطلب من كل الموجودين هنا مساعدتي.
أعادت الثورة له الأمل في استرداد حقوقه المهدرة منذ عشرات السنين، فقرر محمد عبد الوارث النزول إلي ميدان التحرير،أملا في الحصول علي علاج، وهو يقول: كنت مجندا خلال حرب أكتوبر وخرجت مصابا في قدمي ولم يتم علاجي كما لم أحصل علي وظيفة من الحكومة حتي الآن، ولم تصرف لي أي مساعدة من الحكومة السابقة في عهد مبارك، ورغم مرضي الشديد لم يتم علاجي علي نفقة الدولة، وهو يحمل معه خطاب شكر من القوات المسلحة علي وطنيته وإخلاصه في الخدمة طول مدة تجنيده، ويأمل أن توفر الثورة معاشات